ومن المناسب أن نذكر لكم الشبهة التي خرجت مؤخراً، والتي اعتبرها النَّاس فتحاً عظيماً، وخطب بها خطباء الجمع، وكتبت في الجرائد والمجلات والكتب، وقيل: هذا من الإعجاز، وهذا من آيات القرآن، وهذا دليل عَلَى أن العصر الحديث، وأن الكمبيوتر يصحح أن القُرْآن من عند الله.
فإن قوماً افتروا فريةً وهي أن الحروف الموجودة في أوائل سور القُرْآن مركبة كلها عَلَى رقم (19) كما يزعمون، إما (19) أو أي مضاعف من مضاعفاته، وأمثال ذلك مما ذهب إليه بعض المفترين، ونحب أن نوضح أن الطائفة البهائية الخبيثة المجرمة التي نشأت في بلاد إيران في القرن الميلادي الماضي أو قبله، هي التي تركب عقائدها عَلَى الرقم (19) وجعلوا السنة (19) شهراً، والشهر (19) يوماً وهكذا، فركبوا عَلَى الرقم (19) معاني وعقائد وديناً كله يدور حول هذا الرقم.
وكما هو معلوم أن الباطنية هي التي تؤول كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ بالتأويل الباطني، الذي لا يقبله عقل ولا يدل عليه نقل، وهذه البهائية ما هي إلا فرقة حديثة من فرق الباطنية التي خرجت في نفس المنبت الذي هو منبت الرفض.
وأصلهم هو أصل التكذيب بكتاب الله، والتحريف لكلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي كتب هذا وأشاعه رجل مصري، لكنه بهائي وهو الذي جَاءَ بهذه الفرية، وقَالَ: إن أول آية من القُرْآن هي ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) تسعة عشر حرفاً، والقرآن كله يتركب عَلَى هذا الأساس، وهذا من أول ما يدل عَلَى كذبه أن نفس ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) أكثر من تسعة عشر حرفاً.
وسبب خطئه أنه وضعها في الكمبيوتر، والكمبيوتر يسجل بحسب الحروف كما هي مكتوبة، ولا يحسب الحرف المكرر، ولا يحسب المد في مثل "الرحمان" فلذلك نجد أن هذا كلام إفك، وبهتان، وافتراء
، المقصود منه تصحيح مذهب هذه الفرقة الضالة، وليس موضوعنا الآن بيان هذه الفرقة، ولا ما يتعلق بها، ولا حتى الاستطراد في شرح الحروف المقطعة.
لكن المقصود أنه يجب علينا قبل أن نفرح بأي نتيجة، أو نظن أنها تخدم ديننا، أو تهدف إليه، أن ندرك أن وراء هذا خططاً، فهذا الرجل أول ما أظهر هذا الكلام، اشتهر عند الْمُسْلِمِينَ وكتبوا عنه ونشروا اسمه، وعرف حتى أصبح كأنه من أعظم المكتشفين ومن أعظم العلماء الذين يؤخذ كلامهم في أي موضوع من موضوعات الدين، ومن جملة من أشهره أناس طيبون في الخطب عَلَى المنابر، والمجلات والجرائد الإسلامية.
وبعد سنوات أخذ يخرج السموم وينفثها ويقول: إن السنة لا حاجة لها، وحسبنا القرآن، هذا بعد أن اشتهر، فكيف يكون موقفنا بعد ذلك عندما نكذبه ونتهمه ونحن الذين رفعناه وأشهرناه؟! كَانَ الذي ينبغي علينا أن نقوم به أن نعرف دين الرجل وعلمه، فهذا الرجل يعيش في أمريكا وأتباعه في أمريكا كثير؛ لأن الجهل بالإسلام فيها كبير، فبحكم أنها بلد الصناعة والتكنولوجيا أدخلت الكمبيوتر في كل شيء.
فجاء هذا الرجل فأدخل السنة في الكمبيوتر فلم يستوعبها لكثرة رواياتها واختلطت عليه، فحينئذ ترك السنة لأن الكمبيوتر لم يتقبلها ...؟! فالواجب علينا أن نعي ما يخطط أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، فهم لن يتركوا معاداة هذا الدين أبداً، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ))[الصف:8] فهم يحاولون ويحاولون ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217] هذا هو عملهم، وهذا ما أحببنا أن ننبه إليه، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا جنوداً للدفاع عن دينه!!
.
ثُمَّ قال المصنف: [مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس، فإن كَانَ معناها معروفاً] إن كَانَ هذا المعنى عَلَى احتمال وافتراض أن ما قالوه من المعاني حقيقية، وأن معانيها معروفة [فقد عرف معنى المتشابه]، إذاً ليس في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ شيء، لا تعرف جميع الأمة معناه [وإن لم يكن معروفاً] عَلَى فرض أن غيرها قد عرف، فإذاً ما سواها هو المعلوم، فتكون هي المتشابه، وهذا هو المطلوب، أن آيات الصفات والآيات الأخرى ليست من المتشابه، فيبقى عَلَى هذا القول أن المتشابه رغم أنه ليس الراجح هو هذه الحروف المقطعة، وما عداها من القُرْآن ليس من المتشابه، إذاً القُرْآن ليس فيه حكم إلا وتعرفه الأمة، علمه من علمه منها وجهله من جهله، وهذا وجه في الجواب عن قول الأصحاب (إن الحروف المقطعة هي المتشابه) أي أنه قد تكلم في معناها كثير من النَّاس والوجه الثاني هو قوله: [فإن الله قَالَ: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) [آل عمران:7] وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادّين] ا هـ.
هنا رجع المُصنِّف إِلَى مسألة اصطلاحية فنية، وهي أن الله تَعَالَى يقول :((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)) وهذه الحروف عند البعض -سواءً صح أنها عند الجمهور، أو ليست عند الجمهور- ليست آيات، وإنما هي حروف، فلا تعد ولا تحسب آيات، وكما هو معلوم أن هناك اختلافاً بين العلماء رحمهم الله تَعَالَى في عدد آيات القرآن، وهذا لا يؤثر في ثبوت القرآن، وإنما هي أمور اصطلاحية فنية نقلية رآها العلماء، وليست مبنية عَلَى التوقيف، وهذا وجه من الأوجه التي قد تنفع في بيان أنه لا يوجد في القُرْآن شيء إلا وهو معلوم عند الأمة عامة، وليس فيه شيء لا يعلمه أحد من هذه الأمة والله أعلم.